العَقـل

كمال العقل ووفوره هو الأصل لجميع الخِصال الحميدة والأخلاق الرفيعة؛ لأن به تُقْتَبس الفضائل وتُجْتنَب الرذائل، وهو أمر روحانى: ينبعث منه العلم والمعرفة وتدرك به النفس ما يلزمها من العلوم الضرورية والنظرية، ويتفرع من العقل خصال عديدة: كإنفاذ الرأى، وجودة الفطنة والإصابة، وصدق الظن، والنظر للعواقب ومصالح النفس، ومجاهدة الشهوة، وحسن السياسة والتدبير.

ولا مَرِيَّة فى أنه صلى الله عليه وسلم كان أعقل الناس وأذكاهم، ومن تأمل تدبيره أَمْرَ بواطن الخلق وظواهرهم وسياسته للعامة والخاصة؛ مع عجيب شمائله وبديع سيرته؛ فضلاً عما أفاضه من العلم وقرره من الشرع دون تعلم مُسبَق ولا ممارسة تقدمت ولا مطالعة منه للكتب: لم يَمْتَر فى رُجحان عقله صلى الله عليه وسلم وسرعة فهمه لأول بديهة، وقد شرع من تقدم من حكماء الفلاسفة سُنناً حملوا الناس على التدين بها حين علموا أنه لا صلاح للعالم إلا بدين ينقادون له ويعملون به، فما راق لها أثر ولا فاق لها خير وهم ينبوع الحكم وأعيان الأمم، بينما نرى جِمَاع الحكمة فى أحاديث له صلى الله عليه وسلم مثل: "الأعمال بالنيات" و"الحلال بَيِّنُ والحرام بَيِّن" وحديث: "من حُسنِ إسلام المرء تركه ما لا يعينه"، و"دع ما يُريبك إلى ما لا يُريبك" .. وهذه الأحاديث الأربعة يدور عليها شرعه صلى الله عليه وسلم على إيجازها وعمقها وطلاوة عبارتها، فما هذه الفطرة فى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا من صفاء جوهره وخلوص مخبره، قال وهب بن منبه: (قرأت فى أَحَدِ وسبعين كتاباً فوجدت فى جميعها أن الله لم يُعطِ جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل فى جنب عقله صلى الله عليه وسلم إلا كحبة رملٍ من جميع رمال الدنيا، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم أرجح الناس عقلاً وأفضلهم رأياً) رواه أبو نعيم فى الحلية وابن عساكر، فلم يبلغ بشرٌ سواه من رجاحة عقله ما بلغه من علمه بالكتب السماوية وسِيَر الأمم الخالية وتقرير الشرائع وتأصيل الآداب النفيسة من حِكَم حديثه وجوامع كَلِمهِ صلى الله عليه وسلم..، إلى فنون العلم التى اتخذ أهلها من كلامه قدوة وإشارته حجة: كالطب والحساب وغير ذلك مما هو معلوم فى معجزاته وبلا تعلم ولا مُدارَسة، وإلى سائر ما أطلعه الله عليه من علم ما كان وما يكون وعجائب قدرته وملكوته، قال تعالى ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا وقد حارت كل العقول فى تقدير هذا الفضل وعيت الألسن دون وصفه وتقريره؛ لما يفيضه الله تعالى عليه من معارفه وعلومه ما لا يعلمه إلا هو؛ ولما يُتَجدد له من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم التى جُبِل عليها فى أصل خلقته الزكية النقية وبجود مولاه سبحانه وتعالى فلم تزل تشرق أنوار المعارف فى قلبه حتى وصل إلى الغاية العليا والمقام الأسنى.          

هذه الصفحة عزيزي الزائر لموقعنا تخبرك عن جديد الموقع  و الاضافات الجديدة سواء كانت فقرات لأبواب موجودة حالياً، أو الأبواب التي تحت الإنشاء، أو جديد الموقع من صور أو غيرها، كما يسرنا أن نرحب باقتراحاتكم و آرائكم على العنوان البريدي لهذا الموقع
صور

 

 

الصفحة الرئيسية راسلنا آراء القراء خريطة الموقع