الحجر الأسعد

"رضينا بالصادق الأمين"

حين اجتمعت قريش على بناء البيت: اقتصروا على البناء فوق القواعد وتركوا من البيت فى الحِجْر ستة أذرع وشبراً وبنوا على ذلك. فلما وضعوا أيديهم فى بنائهم قالوا: ارفعوا بابها من الأرض واكسوها حتى لا تدخلها السيول ولا تُرتقَى إلا بسلم فلا يدخلها إلا من أردتم؛ ففعلوا ذلك حتى انتهوا إلى موضع الركن فاختلفوا فى وضعه وكثر الكلام فيه وتنافسوا فى ذلك فقالت بنو عبد مناف وزُهرة: هو فى الشِّق (الجدار) الذى وقع لنا، وقالت تميم ومخزوم: هو فى الشِّق الذى وقع لنا، وقالت سائر القبائل: لم يكن الركن مما استهمنا عليه.

قال ابن اسحاق: فاختصموا فيه؛ كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى حتى  تحَاوَزوا وتخالفوا على ذلك وأعدوا للقتال، فقرَّبت بنو عبد الدار جَفنة مملؤة دماً ثم تعاقدوا هم وبنى عدى على الموت دونه وأدخلوا أيديهم فى ذلك الدم فى تلك الجفنة، فسُمُّوا "لعقة الدم"، ومكثت قريش على ذلك أربع ليالٍ أو خمساً ثم أنهم اجتمعوا فى المسجد فتشاوروا وتناصفوا فقال أبو أمية بن المغيرة: يا قوم إنما أردنا البر ولم نرد الشر، فلا تحاسدوا ولا تنافسوا فإنكم إذا اختلفتم تشتت أمركم وطمع فيكم غيركم ولكن حَكِّموا بينكم أول من يطلع عليكم من هذا الفج فيقضى بينكم، قالوا: رضينا وسلَّمنا.

فكان أول داخل إلى المسجد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا به، هذا محمد! فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال صلى الله عليه وسلم "هلم إلى ثوباً"، فأُتِى به، فأخذ الركن (الحجر الأسعد) فوضعه فيه بيده ثم قال: "لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعاً"، ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضعه بيده الشريفة ثم بنى عليه.

وروى ابن سعد وأبو نعيم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: لما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن ذهب رجل من أهل نجد ليناول النبى حجراً ليشد به الركن فقال العباس: لا، وناول العباس رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حجراً فشد به الركن. فغضب النجدى وقال: واعجباً لقومٍ أهل شرف وعقول وأموال؛ عمدوا إلى رجل أصغرهم سناً وأقلهم مالاً فرأسوه عليهم فى مكرمتهم وحِرزهم كأنهم خدم له! أما والله ليفوتنهم سبقاً وليقمن عليهم حظوظاً وحدوداً - ويقال إنه كان إبليس لعنه الله - فكاد أن يُثير شراً فيما بينهم ثم سكتوا.

وقال هبيرة بن أبى وهب المخزومى عن ذلك اليوم حيث جعلت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم حكماً لها فى وضع الحجر الأسعد:

فلما رأينا الأمر قد  جَـدَّ  جـدُّه

 

ولم  يَبـقَ شئٌ  غـيرُ سَلِّ المُهَنَّدِ

رَضِينـا وقلنا العَدلُ أوَّلُ طـالعٍ

 

يجئ  من البطحاءِ  عن غير موعدِ

فلم يَفْجَنا إلا الأمـينُ محمدٌ فجَاء

 

فقلـنا: رَضِيـنا  بِالأمِينِ مُحَمَّدِ

بأمـرٍ لم يرَ النـاسُ مثـلَهُ أخذنا

 

أعمّ وأرضى فى العواقب والبَدِى

بأكنــافِ  الــرِّداءِ  وكـلُّنا

 

له حِصَّـةٌ من رَفْعـه قبضةُ اليدِ

فقال"ارفعـوا"حتى إذا ما عَلت به

 

أكـفٌّ إليه  قـرَّ  فى خيرِ مُسْنَدِ

وكَـانَ رَضِيـنَا ذَاكَ عَنـهُ بِعَيْنهِ

 

وأَعْظِـمْ بِهِ مِن رَأىِ هَادٍ ومُهتَدِ

 قال ابن شهاب: وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزداد على السِّن إلا رضاً حتى أن قريشا كانوا لا ينحرون جذورا إلا التمسوه فيدعو لهم فيه.

 

هذه الصفحة عزيزي الزائر لموقعنا تخبرك عن جديد الموقع  و الاضافات الجديدة سواء كانت فقرات لأبواب موجودة حالياً، أو الأبواب التي تحت الإنشاء، أو جديد الموقع من صور أو غيرها، كما يسرنا أن نرحب باقتراحاتكم و آرائكم على العنوان البريدي لهذا الموقع
صور

 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية راسلنا آراء القراء خريطة الموقع