من قصى إلى عبد الله
عبد مناف بنى قُصَىّ
هو عَبدُ مَنَافِ بن قُصَىِّ بنِ كِلاَبِ بنِ
مُرَّة؛ الجد الثالث للنبى صلى الله عليه وسلم واسمه المغيرة
وكنيته أبو عبد شمس كان يقال له: "جمل البطحاء" ؛ لُقِّب به لطوله،
وفيما روى من حديث عثمان بن جريج وعن ابن إسحاق - كل يزيد على
صاحبه فى حديثه - قالا: لما كبر قُصَى بن كلاب وتقدم به العمر كان
ولده عبد مناف قد شرف فى زمن أبيه وذهب شرفه كل مذهب وكان إخوانه
عبد الدار وعبد العزى وابن قُصَى بمكة لم يبلغوا ولا أحدٌ من فوقهم
من قريش ما بلغه عبد مناف من الذكر والشرف والعز: لما كان له من
نور رسول الله صلى الله عليه وسلم يضئ فى وجهه، وكان أبواه قُصَى
وحُبَّى بنت حُلَيل يرقَّان على ولدهما الأكبر "عبد الدار" لما
يريان من شرف أخيه "عبد مناف" عليه وهو أصغر منه سناً؛ فقالت
حُبَّى لزوجها قُصَى: والله لا أرضى حتى تخص عبد الدار بشئ يلحقه
بأخيه. فقال قُصَى: "والله لأحبونه بذروة الشرف حتى لا يدخل أحد من
قريش وغيرها الكعبة إلا بإذنه ولا يقضون أمراً ولا يعقدون لواءاً
إلا عنده"
وكان ينظر فى العواقب: فأجمع قُصَى على أن يقسم أمور مكة الستة
التى فيها الذكر والشرف والعز بين ابنيه: فأعطى عبد الدار السدانة
- وهى حجابة البيت الحرام - ودار الندوة، واللواء. وأعطى "عبد
مناف": السقاية والرفادة والقيادة، وكانت الرفادة: خراجاً تخرجه
قريش من أموالها إلى قُصَى بن كلاب فيصنع به طعاماً للحجاج فيأكله
من لم تكن له سعة ولا زاد، وكان "قُصَى" هو الذى فرض هذا الخراج
على قريش؛ قال لهم: "يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته وأهل
الحرم، وإن الحجاج ضيف الله وزوار بيته وهم أحق ضيف الله بالكرامة؛
فاجعلوا لهم طعاماً وشراباً أيام الحج حتى يصدروا عنكم" ؛
ففعلوا..فكانوا يخرجون لذلك كل عام خراجاً فيدفعون به إليه فيصنعه
طعاماً بأيام منى.
قال ابن إسحاق: وولد عبد مناف أربعة نفر: هاشم وعبد شمس والمطلب
وأمهم هى عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة
بن سليم بن منصور بن عكرمة، والرابع: نوفل وأمه:واقدة بنت عمرو بن
مازن بن منصور بن عكرمة.
فلما توفى أبوه قُصَى أقيم أمره فى قومه بعد وفاته
على ما كان عليه فى أيام حياته: فولى عبد الدار حجابة البيت
والندوة واللواء، أما عبد مناف فولى السقاية والرفادة والقيادة ولم
يزل على اثر أبيه حتى مات فقسمت فى أولاده؛ فولى بعده هاشم بن عبد
مناف جد النبى صلى الله عليه وسلم السقاية والرفادة، وولى أخوه
"عبد شمس بن عبد مناف" القيادة. وفى ذلك يقول ابن الزبعرى السهمى:
فالمُخُّ خَالِصُهَا "لعَبدِ مَنَافِ" |
|
كانت قريـش بيضـةً فَتفَلَّقَت |
والقائلين هَلُمُّ للأَضـيَافِ |
|
الرَائشـين وليس يُوجَـد رَائشٌ |
حَتى يَعُودَ فَقِيرُهُم كَالكَافِ |
|
والخَالِطـينَ غَنيَّـهُم بِفقِـيرِهِم |
كَانُوا بِمَكة مُسنتِينَ عِجَافِ |
|
"عَمْرُو العُلا" هَشَمَ الثَّرِيدَ لمَعْشَرٍ |
ويعنى بعمرو العلا: هاشماً؛ فلم يزل هاشم على ذلك
حتى توفى ثم كان عبد المطلب يفعل ذلك، فلما توفى عبد المطلب قام
بذلك أبو طالب. وكان عبد المطلب فى السقاية يسقى لبن النوق بالعسل
فى حوض من آدم ويشترى الزبيب فينبذه بماء زمزم وقام بأمر السقاية
بعد أبى طالب أخوه العباس رضى الله عنه.
أما عبد الدار الذى ولى حجابة البيت والندوة
واللواء فلم يزل على اثر أبيه حتى مات وقد قسمها فى أولاده: فجعل
دار الندوة إلى ابنه عبد مناف بن عبد الدار، وجعل الحجابة إلى ابنه
"عثمان بن عبد الدار". ولم يزل بنو عثمان هذا يتولونها إبناً بعد
إبن حتى كان فتح مكة: فقبضها رسول الله صلى الله عليه وسلم من
أيديهم وفتح الكعبة ودخلها .. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
مشتملاً على المفتاح، فقال له العباس بن عبد المطلب: "بأبى أنت
وأمى يا رسول الله أعطنا حجابة البيت مع السـقاية" فأنزل الله
تعالى على نبيه: ﴿إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُم أَنْ تُؤَدُّوا
الأمَانَاتِ إِلىَ أهلِهَا﴾، قال الإمام عمر بن الخطاب رضى الله
عنه: فما سمعناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل تلك الساعة
- فتلاها ثم دعا عثمان بن طلحة فدفع إليه المفتاح وقال صلى الله
عليه وسلم: (غَيِّـبُوه؛ ثم قال:" خُذُوهَا يَا بَنىِ أَبِى طَلحَة
بأَمَانَةِ اللهِ، فاعمَلُوا فِيهَا بالمَعرُوفِ خَالِدةً
وتَالِدَةً، لاَ يَنْزَعهَا مِنْ أيدِيكُمْ إِلاَّ ظَالِم).
|