عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى سعد بن بكر وهو ابن خمس سنين ليقيم مع أمه آمنة وجده عبد المطلب بمكة فى كلاءة الله وحفظه ينبته الله نباتاً حسناً لما يريد به من كرامته، وظل يتذكر دائماً تلك الفترة السعيدة فى حياته، وفى ذلك قال ابن عباس وغيره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ ست سنين خرجت به أمه إلى أخواله "بنى عَدِىّ بن النجار" بالمدينة تزورهم ومعه "أم أيمن" حاضنته صلى الله عليه وسلم، فنزلت به دار النابغة فأقامت به عندهم شهراً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أموراً كانت فى مقامه ذلك، ولما نظر إلى أُطُمَ بنى عَدِى بن النَّجَار عرَفَـه فقال: (كُنْتُ أُلاَعِبُ أَنِيسَةَ جَارِيةً مِنَ الأنصَارِ عَلَى هَذَا الأُطُمِ، وَكُنتُ مَعَ الغِلْمَانِ مِنْ أخْوَالِى نُطَيِّرُ طَائِراً كَانَ يَقَعُ عَلَيهِ) ونظر إلى تلكم الدار وقال: (هَا هُنَا نَزَلَتْ بِى أُمِّى، وَأحسَنْتُ الْعَوْمَ فِى بِئْرِ بَنِى عَدِىِّ بن النَّجَارِ) وكان هناك قومٌ من اليهود ينظرون إليه صلى الله عليه وسلم، قالت أم أيمن: فسمعت أحدهم يقول: "هذا نبى هذه الأمة وهذه دار هجرته"؛ فوعيت ذلك  منه).

ثم رجعت به أمه مسرعة إلى مكة؛ فلما كانت "بالأبواء" توفيت أمه السيدة آمنة بنت وهب - وقبرها هناك بين المدينة ومكة - ورجعت به أم أيمن إلى مكة.

وعن تلك النشأة وأثرها فى حياته صلى الله عليه وسلم روى أبى سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أَنَا أَعْرَبُ العَرَبِ؛ وَلَدَتنِى قُرَيْشُ وَنَشَأْتُ فِى بَنىِ سَعْدِِ بن بَكْرٍ فَأَنىَّ يَأْتِيَنِى اللَّحْنُ) رواه الطبرانى.

واللحن: هو عدم صحة نطق الألفاظ أو الإعراب؛ ويقصد به هنا: نقص المعرفة باللغة وألسنتها المتعددة - فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم أعلم العرب باللهجات والألسنة العربية وأعجز بذلك كل فصحاء العرب وأذعنوا له ولما أوتيه من الفصاحة؛ فهو ولا غرو أوسط القرشيين نسباً وأنسبهم فخذاً، تربى بالبوادى واستُرضِع فيها كعادة أشراف العرب؛ قال الحرالى: "من استجلى أحواله صلى الله عليه وسلم علم إطِّلاعه على لغات العرب واحاطته بها جميعاً" ومما يؤثر عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال: (كان النبى صلى الله عليه وسلم يُكَلِّم أبا بكر بلسانٍ كأنه أعجم؛ لا أفهم مما يقولان شيئاً).